في الفترة الأخيرة كنت قد قرأت الكثير من كتب التنمية البشرية ، التي تركز على النجاح الشخصي و المهني ،وعلى بناء الذات والتي تتحدث بإسهاب عن كيفية التخطيط لمستقبلك و كيفية وضع أهدافك ، و تحقيق طموحاتك باستقلالية مالية أو بناء ثروة أو بناء علامتك التجارية وتطوير عملك الخاص .
في هذا التوقيت كنت أهتم فعلا بقراءة المزيد وتطبيق بعض من هذه الأشياء فعلا في أعمالي اليومية ،و الاهتمام بالبحث المستمر عن الفرص و عن المعلومة و استثمارها لتحقيق اكبر منفعة، بنفس الوقت الذي يستمر العالم بالتغيير من حولي في قضايا كبيرة و مهمة و يكاد لا يكون لي أي تأثير عليها إلا بأن أتحدث و أزيد الوعي ، منذ عدة أسابيع و غابات الأمازون تحترق و النيران تلتهم مساحات شاسعة من التكوين الأخضر الذي يغذي كوكبنا بأكثر من خمس كمية الأوكسجين التي تطلق بالجو .
في هذه الفترة التي أنا مهتم بها ببعض شؤون المال و أمور أخرى ، كنت قد زرت مبنى لشركة كبيرة و عريقة تقدم خدمات مصرفية لعرض عمل تلقيته و حينما وصلت تفاجأت بأن المكان وسخ و مكسر ،فبمجرد فتح الباب لي بعد التحقق من هويتي تم الطلب مني الانتظار بالمطبخ ،فهو المكان الأول الذي يلاقيك بعد دخول الباب و ليس هناك مدخل آخر للمكان ، وحينما دخلته تفاجأت بأن عاملة نظافة تقوم بالكنس وجمع الزبالة عن الأرض، وشاهدت مجموعة من الخزائن المكسرة الأبواب يبرز منها بعض أكمام الملابس و أطراف أسلاك شاحن التلفون الخلوي و أغراض أخرى، يستعملها الموظفون لوضع أشياءهم دون أي خصوصية ، إذا ما احتاجوا لوضع أغراض اثناء تواجدهم بالعمل ، و مجموعة من الثلاجات واحدة منها تستقبلك مباشرة مقابل الباب حينما تدخل و هي مخلوعة الباب و مكسرة رفوفها وموضوعة بداخلها بشكل عمودي ،يضاف إلى ذلك مجموعة من السلال التي تمتليء بقناني فارغة معدة لاسترجاعها للسوبرماركت لأجل إعادة التدوير و تحصيل مبلغ صغير من المال ، جائت إلي موظفة عرفت بنفسها بغير اسمها و انما بكنية الدلع المحببة لها ، هذه الآنسة جائت تحمل بعض الأكواب الكرتونية و تسأل إذا ما كان في ودي شرب شيء ، أن أصنع لنفسي نيس كما تسميه (نيسكافيه ) و أخبرتني أن بأحد الجوارير قد أجد بعض مسحوق و أن الحليب موضوع بأحد تلك الثلاجات التي يطليها أثر أسود لأصابع الأيدي كأنك في مشحمة لغيار زيت السيارات .
أول ما دار بذهني في تلك اللحظة أنني لو صار نصيب لأعمل هنا فإن ما سأفعله أكثر ما أكون بأن أكون بعيدا عن هذا المطبخ ويستحيل علي أن استعمل إحدى هذه الخزانات لأي سبب كان ، تركتني تلك الصبية مع شاب آخر بالمطبخ بينما استمرت عاملة النظافة بمطاردتي بمكنستها من مكان لمكان في هذا المربع الضيق ثم ما لبثت أن بدأت برشق الماء .
جيد جدا ربما هذا الأمر مجرد زيادة تركيز مني على الصور السلبية سوف أدخل للشركة بعد قليل و اتعرف على الأمور اكثر ولكن المفاجأة أن هناك بالداخل كانت الأرضيات مليئة بالبقع والإضائة سيئة و بالكاد ترى النور غير من شاشات بعض الأجهزة الحاسوبية القديمة والتي شاشاتها مربعة و غير مريحة للعين . و كل شيء يشبه و كأنك تدخل إلى متاهة من جحور الأرانب .
بعد ذلك انتظرنا بغرفة يقال لها غرفة التدريبات ، لننتظر بدون أي ترتيب ولا إدراك ما الذي سنقضي به يومنا وكأننا موقوفين ،دخلت علينا من تسمي نفسها مديرة التدريب لتأمرنا املأ هذه و هذه و هذه ، و اعمل هذا و هذا و هذا الامتحان على الحاسوب ، وبعد تقريبا الساعتين طلبت منها الخروج لأخذ نفس من هذه الغرفة و تنشيط دماغي .
عدت بعدها ب ٢٠ دقيقة و قد رأيت ضوء النهار بالخارج قليلا و شربت كوب أسبريسو في مكان يعده بجانب الشركة مباشرة، و قد تصنعت الابتسامة و حاولت ان ابدأ بالتغيير من الداخل و أتخذ موقف أكثر ايجابية و ابحث عن الحلو . و اثناء تواجدي كنت قد سالت بعض الموظفات اذا ما كان بامكانهم العمل هناك لفترة طويلة او انهم راضون عن هذا المكان من ناحية نفسية و تعامل مع البرمجيات ، لكل وجهته و نظريته ولكن بدا لي أن الكثير منهم يقضي بعض الوقت ليجد وجهته لمكان اخر كمثل الصبية التي ابدت رغبتها السريعة للعودة لأمريكا و مباشرة عملها الصغير وهو البيع بعربات البيع .
المهم ما ان انتهى يوم العمل حتى استقليت القطار الخفيف متوجها لبيتي و بعد نزولي بلحظات كنت قد بدأت أمشي اذ يتصل مسؤول شركة التوظيف و الطاقة البشرية ويسألني بصوت ممتعض هل حدث شيء أو خلاف أو مشكلة بالعمل اليوم و بصراحة لم اتوقع منه هذا التساؤل ولكتي قد تفهمت بسرعة بأن هناك شيء ، فقلت له أن لا شيء ملفت لي ، فأخبرني بأنه قد تلقى أيميل مفاجيء بعد خروجنا من هناك يطلبون منه ان أتوقف عن العمل والسبب ( أنني لا أتصرف بشكل جميل ) ، لا أعرف ماذا بدر مني لكي يقال هذا الكلام إلا أن ردي كان بأني لم أجد ما يبرر هذا الذي يقال ذهبت بالوقت تصرفت بلباقة ،لم أعلق أو أعترض على أي شخص كان ، بدا لي ان بعض ردود أفعالي ربما لم تعجب تلك الشخصية الأنيقة التي عرفت عن نفسها بأنها مسؤولة التدريب .
ربما يتفهم بعض الزبائن الآن مستوى الخدمة التي يتلقونها من مركز الرد الهاتفي لبنك البريد،وربما يتفهمون للحظة كيف أنه قد يتفاجئ بأن هذه المؤسسة التي طورت مؤخرا عدة منتجات لتلائم الثورة التكنولوجية و الانترنت ولكنه نسي أن يطور من الفكر الانفتاحي لعقول موظفيه ولا أستبعد أن في يوم قريب تنهض مجموعة من العقول الشبابية النيرة لتوجد البديل ، إنه ليس المكان السيء الوسخ الذي يعملون به ،فالمكان يدل على صاحبه ، و لكن يتفهم أي مدير قد عمل هناك ما يقارب عشر سنين وانعكست عقليته على بيته الثاني حتى ظهر أثرها في باب ثلاجة مخلوع .
لم أتناقش كثيرا مع ابراهيم عن أمر الإيميل الذي و صله و طلبت منه ان يراجعهم لأن المجهود الكبير الذي وصلت به إلى هناك يستحق المزيد من البحث و المراجعة أنه فعلا لا يوجد سبب لوقفي عن العمل دون ابداء اسباب .
كثيرا ما أتلقى النقد لتدخلي (بغير شؤوني) ، و كثيرا ما أسمع بأن أغض الطرف حتى أنال مبتغاي ، وبأن أنفتي و إحساسي بالعظمة سوف لن يفيدني بشيء ،حسنا صديقي سوف أفيدك بأن التنازل عن مستوى محياك هوالذي سوف يضرك و قبولك بهذا المستوى خطير إلى درجة قد تنسى به من أنت ولماذا انت موجود .
على كل عودة لهذا العالم الواسع الذي تحترق به غابات الأمازون اليوم وترتفع به معدلات الحرارة بالجو لتذيب مساحات شاسعة من جليد القطب الشمالي لترفع منسوب المياه و تغرق مدنا و شواطيء جميلة و تغير بالتكوين الحيوي لبحار العالم ، لكي يتفاجأ أطفالنا مستقبلا بأن العالم قد أضاع خمس الهواء و جزءا كبيرا من غذاء هذا الكوكب أجد نفسي أراجع نفسي كثيرا بمعنى تنمية ذاتي و زيادة أصولي،فبعض هذه الأصول التي تكاد تغرق و تحترق بسبب أثر الفراشة الصغيرة ، التي ضمت جنايحيها فوق تلك المزبلة و كأنه قضاء محتوم لا يجب لها أن تتنازل عنها أو تقبل بالتغيير .
عفوا صديقتي الفراشة فالمسؤولية ليست في تنفيذ أوامر فقط ، بعض المسؤولية هو الاعتراض و المطالبة بالأفضل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق